responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 59
وَلُبٍّ وَإِصَابَةِ رَأْيٍ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي مَعْنَى الْفَاعِلِ وَيُقَالُ: أَمْرٌ حَكِيمٌ، أَيْ مُحْكَمٌ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدُّخَانِ: 4] وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُسْلِمٍ مِنَ اشْتِقَاقِ اللُّغَةِ يُطَابِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَعْنَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ وَمَنْ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ بِمَعْنَى: وَمَنْ يُؤْتِهِ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، وَهَكَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ إِنْ فَسَّرْنَاهَا بِالْعِلْمِ لَمْ تَكُنْ مُفَسَّرَةً بِالْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ لِلْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالْأَطْفَالِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا حِكَمٌ، فَهِيَ مُفَسَّرَةٌ بِالْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ، وَإِنْ فَسَّرْنَاهَا بِالْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ وَالْأَفْعَالِ الحسية ثابتاً من غيرهم، وبتقدير مقدر غَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالِاتِّفَاقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْحِكْمَةِ النُّبُوَّةَ وَالْقُرْآنَ، أَوْ قُوَّةَ الْفَهْمِ وَالْحِسِّيَّةَ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ.
قُلْنَا: الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَدْفَعُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ ثَبَتَ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ/ لَفْظُ الْحَكِيمِ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، فَتَكُونُ الْحِكْمَةُ مُغَايِرَةً لِلنُّبُوَّةِ وَالْقُرْآنِ، بَلْ هِيَ مُفَسَّرَةٌ إِمَّا بِمَعْرِفَةِ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ، أَوْ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ الصَّائِبَةِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ، فَإِنْ حَاوَلَتِ الْمُعْتَزِلَةُ حَمْلَ الْإِيتَاءِ عَلَى التَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ وَالْأَلْطَافِ، قُلْنَا: كُلُّ مَا فَعَلَهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ فَعَلَ مَثَلَهُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْمَدْحَ الْعَظِيمَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ آخَرُ سِوَى فِعْلِ الْأَلْطَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى الْحِكَمَ وَالْمَعَارِفَ حَاصِلَةً فِي قَلْبِهِ، ثُمَّ تَأَمَّلَ وَتَدَبَّرَ وَعَرَفَ أَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا بِإِيتَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ، كَانَ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ الْمُسَبِّبَاتِ، بَلْ تَرَقَّى مِنْهَا إِلَى أَسْبَابِهَا، فَهَذَا الِانْتِقَالُ مِنَ الْمُسَبِّبِ إِلَى السَّبَبِ هُوَ التَّذَكُّرُ الَّذِي لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ إِلَى نَفْسِهِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ فِي حُصُولِهَا وَتَحْصِيلِهَا، كَانَ مِنَ الظَّاهِرِيِّينَ الَّذِينَ عَجَزُوا عَنِ الِانْتِقَالِ مِنَ الْمُسَبِّبَاتِ إِلَى الْأَسْبَابِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ لَمَّا فَسَّرُوا الْحِكْمَةَ بِقُوَّةِ الْفَهْمِ وَوَضْعِ الدَّلَائِلِ، قَالُوا: هَذِهِ الْحِكْمَةُ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بها المرء بأن يتدبر ويتفكر، فيعرف ماله وَمَا عَلَيْهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقْدُمُ أَوْ يَحْجِمُ.

[سورة البقرة (2) : آية 270]
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْوَدِ الْمَالِ، ثُمَّ حَثَّ أَوَّلًا: بِقَوْلِهِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة: 267] وثانياً: بقوله الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة: 268] حيث عَلَيْهِ ثَالِثًا: بِقَوْلِهِ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 59
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست